بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أين تكون إذا نودي للصلاة
الحمدلله تعالى الواهب من غير إحصاء، كاشف السوء والضراء، والصلاة والسلام على صفوة الأتقياء وعلى آله وأصحابه قدوة الأولياء.
أخي المسلم: ها هو المنادي ينادي: (حي على الصلاة، حي على الفلاح)
فترى الناس في إجابته على قسمين:
قسم: سارع وبادر إلى إجابة النداء، فأقبل نحو بيوت الله تعالى.وقسم: أعرض وغفل، فلم يجب ذلك النداء!
فحاسب نفسك أيها العاقل: مع أيّ القسمين أنت؟!
وها هو المنادي ينادي خمس مرات في اليوم والليلة.. فأين تكون إذا نادى المنادي إلى الصلاة؟!
وهل تفكرت يوماً في معنى: حيَّ على الفلاح؟!هذه الكلمة التي لطالما سمعتها تتردد في أذنك كثيراً.
حقاً لو تأمل الناس معنى هذه الكلمة بقلوبهم، لما رأيت متخلفاً عن الصلاة في بيوت الله تعالى!
ولكن لما انصرفت القلوب غافلة عن معنى هذه الكلمة العظيمة، رأيت الكثيرين لا يلتفتون إلى نداء الصلاة، وهو يناديهم إلى الفلاح!
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من سمع المنادي فلم يُجب، لم يرد خيراً، ولم يُرد به خيرٌ"
وقد امتدح الله تعالى أقواماً بمسارعتهم إلى إجابة النداء بالصلاة..
فقال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36-38]
قال ابن عباس: "كانوا رجالاً يبتغون من فضل الله، يشترون ويبيعون، فإذا سمعوا النداء بالصلاة، ألقوا ما بأيديهم، وقاموا إلى المسجد فصلوا" قال أبو هريرة رضي الله عنه: "لأن تُملأ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء ثم لا يجيب!"
عجباً لامرئ سمع: حي على الفلاح فتشاغل عنها بالدنيا.. وضيع على نفسه الربح والفلاح!ولو كان عاقلاً، لعلم أنه اختار الحجارة على الدر! تمر ساعات عمره، وهو غافل عن منادي الفلاح!
أخي المسلم: هذا هو عمل المسلم الذي ينبغي أن يعيشه، وما سوى ذلك فهو من فضول الأمور، التي يجب الحذر منها.
وليت الغافلين عن إجابة نداء الفلاح، حاسبوا أنفسهم، وأخلصوا في مساءلتها.. إذاً لوقفوا على العيوب.. ولسارعوا إلى الخيرات!
ولكن الغفلة ضربت على قلوبهم بقفل محكم.. وغطاء كثيف! وأين هؤلاء من حال سلف هذه الأمة رضي الله عنهم؟!
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له، أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جمع الله لك ذلك كله» [روه مسلم]
وقيل لسعيد بن المسيب رحمه الله: "إن طارقاً يريد قتلك فتغيب، فقال: أبحيث لا يقدر الله علي؟
فقيل له: اجلس في بيتك، فقال: أسمع حي على الفلاح ولا أجيب؟!
أخي: ذلك هو حال الصالحين في صدقهم مع الله تعالى.. فنالوا جزاءً لأعمالهم، القبول في الأرض.. والتوفيق للصالحات..
فأمر الجماعة شديد، وقد ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وشدد فيه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل صلاة على المنافقين، صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزمٌ من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» [رواه البخاري ومسلم]
وأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: «هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب» [رواه مسلم]
وفقد عمر رضي الله عنه رجلاً في صلاة الصبح، فأرسل إليه فجاء، فقال: أين كنت؟
قال: كنت مريضاً ولولا أن رسولك أتاني لما خرجت فقال عمر: فإن كنت خارجاً إلى أحد، فاخرج للصلاة
أخي المسلم: من هذه النصوص تفهم أهمية شهود صلاة الجماعة، والتي تهاون بها الكثيرون، غير متلفتين إلى ما ورد في شأنها من ترغيب وترهيب!
مساكين أولئك الذين ضيعوا ذلك الخير العظيم، الذي يفوز به من شهد صلاة الجماعة!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة، فصلاها مع الإمام، غُفر له ذنبه» [رواه ابن خزيمة]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي من فرائض الله، كانت خطواته إحداهما تحط خطيئته، والأخرى ترفع درجة» [رواه مسلم]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه مالم يُحدث، وأحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه» [رواه مسلم]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نُزُلاً كلما غدا أو راح» [رواه مسلم]
فيا من أعرضت عن إجابة نداء الفلاح، لقد فاتك هذا الخير كله! فإلى متى وأنت معرض؟!
حاسب نفسك.. واعلم أنك إن ضيعت هذا الخير، فأنت على خسران.. وغفلة عظيمة!
فوائد عظيمة يجنيها الذين يشهدون الجماعة في بيوت الله تعالى، ومما ساقه الحافظ ابن حجر من فوائد صلاة الجماعة:
صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له
شهادة الملائكة له
جواب الإمام عند قوله: سمع الله لمن حمد
الأمن من السهو غالباً
حصول الخشوع، والسلامة عما يلهي غالباً
احتفاف الملائكة به
إظهار شعائر الإسلام
إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة، والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل
السلامة من صفة النفاق ومن إساءة الظن به
قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات
الإنصات لقراءة الإمام، التأمين عند تأمينه، ليوافق تأمين الملائكة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه»
أخي المسلم: إذا ناداك المنادي إلى الصلاة، فأنت مدعو إلى ضيافة ملك الملوك.. وأغنى من أعطى ووهب!!
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "المساجد بيوت الله في الأرض، والمصلي فيها زائر الله، وحُق على المزور أن يكرم زائره"
فيا من سمعت النداء وأعرضت عن إجابته، أتعرض عن ضيافة ملك الملوك؟!
فلو دعاك ملك من ملوك الدنيا، لسارعت إلى تلبية دعوته، وأنت فرح مسرور!
فانظر أيها الغافل في حالك.. وحاسب نفسك اليوم قبل أن يُحال بينك وبين الصالحات!
فإذا سمعت النداء بـ(حي على الفلاح) بادرت إلى تلبيته لتكون في ضيافة الرحمن رب العرش العظيم!
فإن خير مكان قصدته، بيوت الله تعالى، فهي منازل المتقين.. ومأدبة المؤمنين..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» [رواه مسلم]
أخي المسلم: هل أنت من أولئك الذين تشتاق قلوبهم إلى بيوت الله تعالى؟!
فإن المسلم الصادق تجده في شوق إلى عمارة بيوت الله تعالى.. واهنأ ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أن قال: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله» فذكر منهم: «ورجل قلبه معلق في المساجد» [رواه البخاري ومسلم]
قال الحافظ بن حجر: "وظاهره أنه من التعليق، كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد، كالقنديل مثلاً، إشارة إلى طول الملازمة بقلبه، وإن كان جسده خارجاً عنه.."
فتأمل في قلبك أيها المسلم، هل يكون معك في المسجد وإذا خرجت حن إلى العودة مرة أخرى، أم أنك تتركه خارج المسجد، فإذا خرجت صحبك؟!
إن الشوق إلى عمارة بيوت الله، دليل على الفلاح.. وبرهان على التوفيق..
قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: "ما دخل وقت صلاة، حتى اشتاق إليها"
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: "ما دخل علي وقت صلاة إلا وقد أخذت أهبتها، ولا دخل علي فرض إلا وأنا إليه مشتاق"
وسعيد هذا هو القائل: "من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة، فقد ملأ البر والبحر عبادة!"
فرضي الله عن أولئك الأطهار، شغلتهم الطاعات عن دنيا الغرور، وأعدوا الصالحات لشدائد يوم النشور..
فأين أنت أيها الغافل من هذه المناقب العلية؟!يا من شغلتك الدنيا بسرابها الكاذب يا من شغلتك الأماني ببريقها الخداع
أفِق من سكراتك قبل أن لا تفيق! واعمل ليوم موتك قبل أن لا تعمل، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب!
أخي المسلم: إن التخلف عن الجماعة شعار الغافلين.. وعلامة المنافقين.. فاحذر أن تكون من أولئك الذين إذا نادى منادي الفلاح، انصرفت قلوبهم إلى هواها.. وتخبطت في شهواتها!
فيا من تخلفت عن إجابة منادي الفلاح! اعلم أنك متخلق في ذلك بخلق من أخلاق المنافقين..
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادي بين الرجلين حتى يُقام في الصف"
أخي المسلم: هذه وصية واحد من أولئك البررة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ترشد إلى فضل وشرف صلاة الجماعة، وحال المتخلفين عنها.
وليت أولئك الذين غفلوا عن فضل شهود الجماعة، نظروا في هذه الوصية بعين الفهم والتدبر!
أين تكون إذا نودي للصلاة؟! سؤال ينبغي أن يسأله الكثيرون لأنفسهم.. وليكن هذا السؤال مقروناً بالصدق.. والمحاسبة الجادة..
ولكن الكثيرين غفلوا عن محاسبة أنفسهم، فتمادى بهم العصيان.. وضلوا الطريق!
خمس مرات في اليوم والليلة يتردد في أذنك: (حي على الفلاح) فإن لم تكن من المجيبين، فما أشد غفلتك!!
فلتكن من أولئك المسارعين إلى إجابة نداء الفلاح..المتزودين بخير زاد.. واطرد سلطان الغفلة من قلبك..واستعن بمولاك تبارك وتعالى.. عسى أن تكون من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة..
والحمدلله تعالى.. والصلاة والسلام على النبي محمد وآله وصحبه..
أزهري أحمد محمود
موقع وذكر الإسلامي
الموضوعالأصلي :
أين تكون إذا نودي للصلاة ؟ المصدر :
منتديات أحلى كلام https://a7lakalam.ahlamontada.net