بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تأملت في بعض تعاملاتنا مع الأحداث ، تعاملاتنا مع النقولات ، تعاملاتنا مع الأخبار ، تعاملاتنا مع الفتاوى والمسائل التي تُنشر في مجالسنا أو في الشبكة العنكبوتية ... فوجدت في ذلك خللا كبيرا له ، وله ، وله مابعده ...
وبعد الاستقبال والنشر ... يحدث التأسف والندم !.
فبدا لي قاعدة يسيرة ... لها أصلها في الكتاب والسنة ... وأسميتها :
قاعدة : ( تأكد ) .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) .
التثبت ، والتبين ، والتأكد ، واستقصاء الخبر ، والسؤال عن صدقه ومصداقيته ... هو مقصد الكاتب من هذه القاعدة .
- عندما تقرأ خبرا في صحيفة سيارة أو في موقع الكتروني ، وفي نشره ضررا على غيرك ... فـ ( تأكد ) قبل أن تنشره .
- عندما يقول لك أحد إخوانك الثقات خبرا .. قد تتعجب منه ... فـ ( تأكد ) قبل نشره ... فقد يكون المنقول عنه واهما ... هو صادق لكنه نقل عن كاذب أو مخطئ .
- عندما تقرأ مسألة علمية لاتعلم عن ناقلها التثبت ... فـ ( تأكد ) قبل أن تسلّم بها ... فقد يكون صاحبك مخطئا أو ناسيا .
- عندما يصلك نقل فتوى عن عالم معتبر ، ولم يشر الناقل إلى المصدر من كتب العالم أو موقعه أو أحد طلابه - سماعا - فـ ( تأكد ) قبل أن تقبل الخبر وتعمل به .
- عندما تُصدّر الرواية بقول القائل : أظن ، قيل ، قالوا ، كأني سمعت ، ونحوها ... فـ ( تأكد ) قبل أن تُسلّم بالنقل ... فقد تُحذف صيَغ التمريض ويبقى النقل مثبتا .
- قد يناسب العمل بقاعدة : ( ركّز ) عند تقييم الخبر ، ومعرفة نكارته أو مخالفته لخبر أثبت منه .. فـ ( تأكد ) قبل أن تقبل .
مما يناسب ذكره أيضا في قاعدة : ( تأكد ) :
- ما قد يبلغك عن صاحبك مما يسؤوك عنه أو منه ... فـ ( تأكد ) قبل أن تبني على ذلك الكلام ما يفسد علاقتكما ... وإن قلت : ( مشّي ) ... فقد يكون ذلك مناسبا .
- فلان سرق ، فلان أخذ ، فلان اختلس ، فلان ارتشى ، ونحوها ... عبارات قد يسمعها البعض أحيانا ... فيسيء الظن ، ويتهم ، وقد يغتاب ، ويبهت أخاه بسبب ذلك الاتهام ... فإن كان ثمة مصلحة فـ ( تأكد ) قبل أن تخطو خطوة واحدة ضد أخيك .
- قد تتقدم لخطبة امرأة انثى ؛ أثنى أهلك عليها خيرا ، فـ ( تأكد ) بنفسك قبل أن تقدم ، فقد تدخل بها فلا تعجبك أو لاتعجبها ، فيكون ما لايحمد ... وتقول ليتني ( تأكدتُ ) .
- قد يتقدم لأختك أو بنتك أو قريبتك خاطب ، ظاهره الكفاءة ... فـ ( تأكد ) قبل أن توافق أو تثني عليه خيرا ، واسأل وابحث وتحقق ... فهذا زواج ... وهو الميثاق الغليظ .. فلانتساهل به .
عن محمد بن حنيف قال :
بلغني أنه قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل أن الحارث المحاسبي يتكلم في علوم الصوفية ويحتج عليه بالآي ؛
فقال أحمد : أحب أن اسمع كلامه من حيث لا يعلم ؛
فقال : أنا أجمع معه ؛ فاتخذ دعوة ودعا الحارث وأصحابه , ودعا أحمد فجلس بحيث يرى الحارث ؛ فحضرت الصلاة فتقدم وصلى بهم المغرب , وأحضر الطعام ؛ فجعل يأكل ويتحدث معهم ؛ فقال أحمد : هذا من السنة .
فلما فرغوا من الطعام وغسلوا أيديهم جلس الحارث وجلس أصحابه ؛ فقال : من أراد منكم أن يسأل شيئا فليسأل ؛ فسئل عن الإخلاص , وعن الرياء , ومسائل كثيرة ؛ فاستشهد بالآي والحديث , وأحمد يسمع لا ينكر شيئا من ذلك ؛ فلما هدى من الليل أمر الحارث قارئا يقرأ شيئا من القرآن على الحدو ؛ فقرأ ؛ فبكى بعضهم وانتحب آخرون , ثم سكت القارىء ؛ فدعا الحارث بدعوات خفاف ثم قام إلى الصلاة ؛ فلما أصبحوا قال أحمد : قد كان بلغني أن ها هنا مجالس للذكر يجتمعون عليها ؛ فإن كان هذا من تلك المجالس فلا أنكر منها شيئا) .
الاعتصام (1\284-285)
قلت ، انظر إلى مدى حرص الإمام أحمد - رحمه الله - بتثبته من الخبر ، قبل الحكم على الرجل !
ترى بعض المحسوبين على الدعوة في هذه الأزمان ! - وللأسف - ،
يأتيه أحدهم بخبر عن شخص ، دون تثبت أو تبين ، أو معرفة قصد صاحب العبارة .
فتراه يسلم بكل ما جاءه من نقولات ! وكأن الناقل ثقة ثبت !
فيبدأ بالطعن والتجريح ، والهجر ، والتفسيق والتبديع وو....] والله المستعان !
وما أجمل أن نضيف لقاعدة تأكد
قاعدة ( ضع المصدر ) حتى لا نقع في حرج مع صاحب المعلومة
لأنه قد تكون في نفس بعض الأشخاص شيء حينما تطلب منه المصدر ظاناً أنك تكذبّه
كما أننا بذلك نعين المتلقي أو الناقل على تطبيق قاعدة ( تأكد )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد يناسب تطبيق قاعدة : ( تأكد ) .. مع انتشار رسائل الجوال المختَلَقة والمكذوبة والموضوعة .. فإذا أتتنا رسالة جوال لانعرف مصدرها ومدى صحتها .. فلا نرسلها لغيرنا إلا بعد أن نتأكد .
في أوقات الفتن يلزم ويجب ويتأكد استخدام قاعدة : ( تأكد ) .. فقد يكون الرجل سببا في انتشارِ أمرٍ يسوء نشره .. دون أن يشعر .. فلنتأكد .
وقد قيل : " الفتن إذا أقبلت تشابهت فلا يعرفها إلا العلماء ، وإذا أدبرت عرفها كل أحد " .
والفتن خطرها لايخفى .. وضررها يتعدى .. فلنحرص على التأكد والتثبت .
قال الشيخ العلامة محمد بن بن عثيمين رحمه الله تعالى في اللقاء الثامن والثلاثون من لقاءات الباب المفتوح :
على كل حال يجب علينا إزاء ما نسمع من الأخبار أمور ثلاثة مرتبة :
الأمر الأول : التثبت .
الأمر الثاني : التأمل .
الأمر الثالث : المواجهة والنصيحة ، دون التشهير والإعلان ، ولاسيما إذا كان الإنسان من ولاة الأمور من عالم أو أمير أو نحو ذلك .
وبهذا نسلك سبيل السلف الصالح رضي الله عنهم ويحصل الخير الكثير ، وهذا لا يُفَوِّتُ شيئاً ، فبدلاً من أن تنكر اليوم تثبت وتأمل ثم أنكر غداً أو بعد غد .
نحن نقول : تثبت وتبين لكن بهدوء وخطوات ثابتة متزنة مبنية على الحجة والبرهان لا الظنون والأوهام ، وبهذا تتم الأمور وتصلح الأحوال .
يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في آخر كتابه ( الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة ) ص 272 :
" من الغلط الفاحش الخطر .. قبول قول الناس بعضهم ببعض ، ثم يبني عليه السامع حبًّا وبغضًا ، ومدحًا وذمًّا ، فكم حصل بهذا الغلط من أمور صار عاقبتها الندامة ، وكم أشاع الناس عن الناس أمورًا لا حقائق لها بالكلية ، أو .. لها بعض الحقيقة ، فنُمّيت بالكذب والزور ، وخصوصًا من عُرفوا بعدم المبالاة بالنقل ، أو عُرف منهم الهوى ، فالواجب على العاقل التثبت والتحرز وعدم التسرع ، وبهذا يُعرف دين العبد ورزانته وعقله " أ.هـ.
يعني : ( تأكد ) .
_____________
ويقول ابن خلون في مقدمته ص 35 :
( فإن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر .. أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه ، وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة ، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص ، فتقع في قبول الكذب ونقله ) .أ.هـ
كتبه المفضال المسيطير ملتقى أهل الحديث
الموضوعالأصلي :
قــاعــدة : ( تأكــــد ) المصدر :
منتديات أحلى كلام https://a7lakalam.ahlamontada.net