نَسَبُهُ وَقَبِيلَتُهُ: هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأَوْزَاعِيّ، قال محمد بن سعد: والأوزاع بطن من همدان، وقال البخاري في تاريخه: الأوزاع: قرية بدمشق إذا خرجت من باب الفراديس.
مَولِــــــــــدُهُ:
سنة 88 هـ الموافق 707م.
البَلدُ التي وُلدَ فِيهَا:
ولد في (بَعْلَبَكّ) وهي إحدى المدن اللبنانية وتقع على بعد 85 كم إلى الشرق من بيروت فوق أعلى مرتفعات سهل البقاع...
البَلدُ التي عَاشَ فِيهَا:
نشأ في البقاع، وسكن بيروت.
طُفُولَتُهُ وتَربِيَتُهُ:
قال ابن كثير: نشأ - أي الأَوْزَاعِيّ - بالبقاع يتيما في حجر أمه، وكانت تنتقل به من بلد إلى بلد، وتأدب بنفسه، فلم يكن في أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجار وغيرهم أعقل منه، ولا أورع ولا أعلم، ولا أفصح ولا أوقر ولا أحلم، ولا أكثر صمتا منه....
أَهَمُّ مَلَامِحِ شَخْصِيَتِهِ: كَثْرَةُ عِلْمِهِ وَفِقْهِِهِ:
يُعّدُّ الإمِامُ الأَوْزَاعِيّ أحد الفُقَهَاءِ الأعلام الذين أثّرُوا في مَسِيرةِ الفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ خَاصَّةً في بلادِ الشَّامِ والأَندلُسِ....
قال الحافظ ابن كثير: وقد بقي أهل دمشق وما حولها من البلاد على مذهبه نحوًا من مائتين وعشرين سنة...
ثم انتقل مذهبه إلى الأندلس وانتشر هناك فترة، ثم ضعف أمره في الشام أمام مذهب الإمام الشافعي، وضعف في الأندلس أيضًا أمام مذهب الإمام مالك الذي وجد أنصارًا وتلاميذ في الأندلس، بينما لم يجد مذهب الأَوْزَاعِيّ الأنصار والتلاميذ...
وقال ابن كثير عن الأَوْزَاعِيّ أيضًا: ما تكلم بكلمةٍ إلا كان المتعين على من سمعها من جلسائه أن يكتبها عنه - من حسنها -، وكان يعاني الرسائل والكتابة، وقد اكتتب مرة في بعث إلى اليمامة فسمع من يحيى بن أبي كثير وانقطع إليه فأرشده إلى الرحلة إلى البصرة ليسمع من الحسن وابن سيرين.
فسار إليها فوجد الحسن قد توفي من شهرين ووجد ابن سيرين مريضا، فجعل يتردد لعيادته، فقوي المرض به ومات ولم يسمع منه الأَوْزَاعِيّ شيئًا.
ثم جاء فنزل دمشق بمحلة الاوزاع خارج باب الفراديس، وساد أهلها في زمانه وسائر البلاد في الفقه والحديث والمغازي وغير ذلك من علوم الاسلام.
وقد أدرك خلقا من التابعين وغيرهم، وحدث عنه جماعات من سادات المسلمين، كمالك بن أنس والثوري والزهري، وهو من شيوخه.
وقد حج مرة فدخل مكة وسفيان الثوري آخذ بزمام جمله، ومالك بن أنس يسوق به، والثوري يقول: أفسحوا للشيخ حتى أجلساه عند الكعبة، وجلسا بين يديه يأخذان عنه.
وقد تذاكر مالك والأَوْزَاعِيّ مرة بالمدينة من الظهر حتى صليا العصر، ومن العصر حتى صليا المغرب، فغمره الأَوْزَاعِيّ في المغازي، وغمره مالك في الفقه أو في شئ من الفقه.
وتناظر الأَوْزَاعِيّ والثوري في مسجد الخيف في مسألة رفع اليدين في الركوع والرفع منه.
فاحتج الأَوْزَاعِيّ على الرفع في ذلك بما رواه عن الزهري عن سالم عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والرفع منه".
واحتج الثوري على ذلك بحديث يزيد بن أبي زياد، فغضب الأَوْزَاعِيّ وقال: تعارض حديث الزهري بحديث يزيد بن أبي زياد وهو رجل ضعيف؟ فاحمرّ وجه الثوري، فقال الأَوْزَاعِيّ: لعلك كرهت ما قلت؟ قال: نعم.
قال: فقم بنا حتى نلتعن عند الركن أينا على الحق، فسكت الثوري.
وقال ابن زياد: أفتى الأَوْزَاعِيّ في سبعين ألف مسألة بحدثنا.
وقال أبو زرعة: رُوي عنه ستون ألف مسألة.
وقال غيرهما: أفتى في سنة ثلاث عشرة ومائة وعمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة، ثم لم يزل يفتي حتى مات وعقله زاكٍ.
وقال يحيى القطان عن مالك: اجتمع عندي الأَوْزَاعِيّ والثوري وأبو حنيفة فقلت: أيهم أرجح؟ قال: الأَوْزَاعِيّ.
وقال عنه ابن حبان في كتابه مشاهير علماء الأمصار: أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وحفظًا وفضلًا وعبادةً وضبطًا مع زهادةٍ...
عِبَادَتِهِ وَوَرِعِهِ وَزُهْدِهِ:
قال بشر بن المنذر: كان الأَوْزَاعِيّ كأنه أعمى من الخشوع، وقال ابن مسهر: كان يُحيي الليل صلاة وقرآنًا...
وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أحدا أشدّ اجتهادا من الأَوْزَاعِيّ في العبادة.
وقال غيره: حجّ فما نام على الراحلة، إنما هو في صلاة، فإذا نعس استند إلى القتب، وكان من شدة الخشوع كأنه أعمى.
ودخلت امرأة على امرأة الأَوْزَاعِيّ فرأت الحصير الذي يصلي عليه مبلولا فقالت لها: لعل الصلبي بال ههنا.
فقالت: هذا أثر دموع الشيخ من بكائه في سجوده، هكذا يصبح كل يوم.
شُيُوخــــــه:
روى عن عطاء بن أبي رباح، والقاسم ابن مخيمرة، ومحمد بن سيرين حكاية، والزهري، ومحمد بن علي الباقر، وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، وقتادة، وعمرو بن شعيب، وربيعة بن يزيد، وشداد، وأبي عمار، وعبدة ابن أبي لبابة، وبلال بن سعد، ومحمد بن إبراهيم التيمي، ويحيى بن أبي كثير، وعبد الله بن عامر اليحصبي، ومكحول، وأبي كثير السحيمي وخلق...
مُؤَلَفَاتِــــــهِ:
1 - كتاب السنن في الفقه.
2 - كتاب المسائل في الفقه.
3 - كتاب السير.
4 - كتاب المسند.
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ:
قال عنه أبو نعيم في الحلية: الإمام المبجل، والمقدام المفضل، عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأَوْزَاعِيّ، رضي الله تعالى عنه. كان واحد زمانه، وإمام عصره وأوانه، كان ممن لا يخاف في الله لومة لائم، مقوالًا بالحق لا يخاف سطوة العظائم.
وقال عنه الحافظ ابن كثير: الإمام الجليل علامة الوقت... فقيه أهل الشام وإمامهم.
وقال عنه الإمام مالك: كان الأَوْزَاعِيّ إماما يقتدى به.
وقال عنه الذهبي: كان رأسًا في العلم والعمل، جم المناقب. ومع علمه كان بارعًا في الكتابة والترسل.
وقال إسماعيل بن عياش: سمعتُ الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة.
وقال عبد الله الخريبي: كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه.
وقال سفيان بن عيينة وغيره: كان الأَوْزَاعِيّ إمام أهل زمانه...
وقال محمد بن عجلان: لم أر أحدا أنصح للمسلمين من الأَوْزَاعِيّ.
وقال عنه الصفدي: إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم...وكان ثقة مأمونًا فاضلًا خيرًا كثير العلم والحديث والفقه حجّة.
وقال يحيى بن معين: العلماء أربعة: الثوري، وأبو حنيفة، ومالك، والأَوْزَاعِيّ.
وقال أبو حاتم: كان - أي الأَوْزَاعِيّ - ثقةً متبعًا لما سمع.
وقال عنه الزركلي صاحب الأعلام: إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتّاب المترسلين.
الأَوْزَاعِيُّ عَالِمٌ رَبَانِّيّ لَا يَخْشَى فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ:
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية:
ولما دخل عبد الله بن علي - عم السفاح الذي أجلى بني أمية عن الشام، وأزال الله سبحانه دولتهم على يده - دمشق فطلب الأَوْزَاعِيّ فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه.
قال الأَوْزَاعِيّ:
دخلت عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة والمسودة عن يمينه وشماله، ومعهم السيوف مصلتة - والعمد الحديد - فسلمت عليه فلم يرد ونكت بتلك الخيزرانة التي في يده ثم قال: يا أوزاعي ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد؟ أجهادا ورباطا هو؟ قال: فقلت: أيها الامير سمعت يحيى بن سعيد الانصاري يقول: سمعت محمد بن إبراهيم التيمي يقول: سمعت علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
قال: فنكت بالخيزرانة أشد مما كانت ينكت، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم، ثم قال: يا أوزاعي ما تقول في دماء بني أمية؟ فقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة ".
فنكت بها أشد من ذلك ثم قال: ما تقول في أموالهم؟ فقلت: إن كانت في أيديهم حراما فهي حرام عليك أيضا، وإن كانت لهم حلالا فلا تحل لك إلا بطريق شرعي.
فنكت أشد مما كان ينكت قبل ذلك ثم قال: ألا نوليك القضاء؟ فقلت: إن أسلافك لم يكونوا يشقون علي في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدؤني به من الاحسان.
فقال: كأنك تحب الانصراف؟ فقلت: إن ورائي حرما وهم محتاجون إلى القيام عليهن وسترهن، وقلوبهن مشغولة بسببي.
قال: وانتظرت رأسي أن يسقط بين يدي، فأمرني بالانصراف.
فلما خرجت إذا برسوله من ورائي، وإذا معه مائتا دينار، فقال يقول لك الامير: استنفق هذه.
قال: فتصدقت بها، وإنما أخذتها خوفا.
مِنْ كَلِمَاتِهِ الخَالِدَةِ:
- عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وقول الرجال وإن زخرفوه وحسنوه، فإن الامر ينجلي وأنت منه على طريق مستقيم.
- اصبر على السنة وقف حيث يقف القوم، وقل ما قالوا وكف عما كفوا، وليسعك ما وسعهم.
- العلم ما جاء عن أصحاب محمد، وما لم يجئ عنهم فليس بعلم.
- لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلب مؤمن.
- إذا أراد الله بقوم شرًا فتح عليهم باب الجدل وسد عنهم باب العلم والعمل.
- العافية عشرة أجزاء، تسعة منها صمت، وجزء منها الهرب من الناس.
وَفَاتُــــــــــــهُ:
قال أبو بكر بن أبي خيثمة: حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: كنت جالسا عند الثوري فجاءه رجل فقال: رأيت كأن ريحانة من الغرب - يعني قلعت - قال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأَوْزَاعِيّ، فكتبوا ذلك فجاء موت الأَوْزَاعِيّ في ذلك اليوم.
وقال أبو مسهر: بلغنا أن سبب موته أن امرأته أغلقت عليه باب حمام فمات فيه، ولم تكن عامدة ذلك، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة.
قال: وما خلف ذهبا ولا فضة ولا عقارا، ولا متاعا إلا ستة وثمانين فضلت من عطائه.
وكانت وفاته في بيروت يوم الأحد 28 صفر سنة 157هـ الموافق 16 يناير 774م، وهو دون السبعين بسنة واحدة،
ورثاه بعضهم بقوله:
جاد الحيا بالشام كل عشيةٍ... قبرًا تضمن لحده الأَوْزَاعِيّ
قبرٌ تضمن فيه طود شريعةٍ... سقيا له من عالمٍ نفاع
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
المصدر: موقع قصة الإسلام
الموضوعالأصلي :
الإمام الأوزاعي المصدر :
منتديات أحلى كلام https://a7lakalam.ahlamontada.net